سورة التوبة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ} انقضى ومضى {الأشْهُرُ الْحُرُمُ} قيل: هي الأشهر الأربعة: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
وقال مجاهد وابن إسحاق: هي شهور العهد، فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر، ومن لا عهد له: فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوما، وقيل لها {حُرُم} لأن الله تعالى حَّرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم.
فإن قيل: هذا القدر بعض الأشهر الحرم والله تعالى يقول: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم}؟.
قيل: لما كان هذا القدر متصلا بما مضى أطلق عليه اسم الجمع، ومعناه: مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم.
قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} في الحل والحرم، {وَخُذُوهُمْ} وأسروهم، {وَاحْصُرُوهُم} أي: احبسوهم.
قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد إن تَحَصَّنوا فاحصروهم، أي: امنعوهم من الخروج.
وقيل: امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام.
{وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أي: على كل طريق، والمرصد: الموضع الذي يرقب فيه العدو، من رصدت الشيء أرصده: إذا ترقبته، يريد: كونوا لهم رصدا لتأخذوهم من أي وجه توجهوا.
وقيل: اقعدوا لهم بطريق مكة، حتى لا يدخلوها.
{فَإِنْ تَابُوا} من الشرك، {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} يقول: دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لمن تاب، {رَحِيمٌ} به.
وقال الحسين بن الفضل: هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء.


قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} أي: وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم، أي: استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله. {فَأَجِرْهُ} فأعِذْه وآمنه، {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} فيما له وعليه من الثواب والعقاب، {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي: إن لم يسلم أبلغه مأمنه، أي: الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} أي: لا يعلمون دين الله تعالى وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله. قال الحسن: وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} هذا على وجه التعجب، ومعناه جحد، أي: لا يكون لهم عهد عند الله، ولا عند رسوله، وهم يغدرون وينقضون العهد، ثم استثنى فقال جلَّ وعلا {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قال ابن عباس: هم قريش. وقال قتادة: هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.
قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ} أي: على العهد، {فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} فلم يستقيموا، ونقضوا العهد، وأعانوا بني بكر على خزاعة، فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح أربعة أشهر يختارون من أمرهم: إما أن يُسلموا، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤوا، فأسلموا قبل الأربعة الأشهر.
قال السدي والكلبي وابن إسحاق: هم من قبائل بكر: بنو خزيمة وبنو مُدْلج وبنو ضُمْرة وبنو الدَّيل، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية، ولم يكن نقض العهد إلا قريش وبنو الديل من بني بكر، فأمر بإتمام العهد لمن لم ينقض وهم بنو ضمرة.
وهذا القول أقرب إلى الصواب؛ لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد وبعد فتح مكة، فكيف يقول لشيء قد مضى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}؟ وإنما هم الذين قال عز وجل: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا} كما نقصتكم قريش، ولم يظاهروا عليكم أحدًا كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.


قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} هذا مردود على الآية الأولى تقديره: كيف يكون لهم عهد عند الله كيف وإن يظهروا عليكم! {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً} قال الأخفش: كيف لا تقتلونهم وهم إن يظهروا عليكم أي: يظفروا بكم، لا يرقبوا: لا يحفظوا؟ وقال الضحاك: لا ينتظروا. وقال قطرب: لا يراعوا فيكم إلا. قال ابن عباس والضحاك: قرابة. وقال يمان: رَحِما. وقال قتادة: الإلُّ الحَلِفُ. وقال السدي: هو العهد. وكذلك الذمة، إلا أنه كرر لاختلاف اللفظين. وقال أبو مجلز ومجاهد: الإل هو الله عز وجل. وكان عبيد بن عمير يقرأ: {جبر إلّ} بالتشديد، يعني: عبد الله. وفي الخبر أن ناسًا قدموا على أبي بكر من قوم مسيلمة الكذاب، فاستقرأهم أبو بكر كتاب مسيلمة فقرؤوا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن هذا الكلام لم يخرج من إل، أي: من الله.
والدليل على هذا التأويل قراءة عكرمة {لا يرقبون في مؤمن إيلا} بالياء، يعني: الله عز وجل. مثل جبرائيل وميكائيل. ولا ذمة أي: عهدا. {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} أي: يعطونكم بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم، {وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} الإيمان، {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}.
فإن قيل: هذا في المشركين وكلهم فاسقون فكيف قال: {وأكثرهم فاسقون}؟
قيل: أراد بالفسق: نقض العهد، وكان في المشركين مَنْ وفى بعهده، وأكثرهم نقضوا، فلهذا قال: {وأكثرهم فاسقون}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8